الذهب الزُلال

المياه مصدراً إستراتيجياً في الشرق الأوسط

لن تنبع القلاقل السياسية والاجتماعية خلال العشرين عاما القادمة في الشرق الأوسط من الحروب، أو الإرهاب، أو الثورات، بل من منبع مفاجئ مستتر- إنه المياه. ومع أن التهديدات الأمنية التقليدية هي المسيطرة على النقاش العام وعلى تفكير الحكومات، إلا أن المياه هي عامل التغيير الحقيقي في اللعبة السياسية في الشرق الأوسط.

ركزت أبحاث المياه في العديد من الأحيان على الأنهار المشتركة باعتبارها السبب المحتمل للحروب بين الدول. إلا أن دول الشرق الأوسط لم تخض حروبا حول أنهارها، وقد نجح الدبلوماسيون في الإبقاء على التوتر في حدوده الدنيا.  وعوضا عن تسببها بالحروب، تشكل الإمدادات المتناهية من المياه الجوفية داخل الحدود الوطنية تحديا آنيا يحمل في طياته تبعات إستراتيجية. استخدمت المياه الجوفية لتشجيع الزراعة التي استخدمها العديد من الزعماء في المنطقة لترسيخ الولاء السياسي. واحتمال نضوبها يهدد التوازنات السياسية القائمة.

تشكل المياه جزءا أساسيا من العقد الاجتماعي في دول الشرق الأوسط. إلى جانب تقديمها الدعم للوقود والغذاء، تقدم الحكومات المياه بأسعار زهيدة أو حتى بالمجان لضمان رضا الشعوب التي تحكمها. ولكن إيقاف السلع المدعومة في الشرق الأوسط تبعته الاضطرابات في عدة أحيان. ومع أن المياه لم تلعب حتى الآن سوى دور محدود نسبيا في إطلاق شرارة القلاقل، إلا أن سجلها هذا لا يرجح له الاستمرار. لا توجد بدائل للمياه، وعلى الرغم من ثمنها الزهيد في حالتها الطبيعية، إلا أن معالجتها ونقلها باهظي الثمن. سيتصف شح المياه في المستقبل بديمومة أكبر بدرجات عما كان عليه النقص فيها في الماضي، كما أن الأساليب التي استخدمتها الحكومات ردا على الاضطرابات السابقة قد لا تعود كافية.

زاد حجم مشكلة المياه في الشرق الأوسط عن مقدار النجاح المتحقق بشأنها. وتمكنت الدول، بفضل "الثورة الخضراء" التي اجتاحت الشرق الأوسط في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، من إدامة الزراعة وتوفير الغذاء للأعداد المتزايدة من سكانها، وتستمر حتى اليوم المستويات العالية من الاستثمار الزراعي. يمكن القول بشكل عام أن الدول قد أفرطت في التركيز على ضمان جانب العرض فيما يتعلق بالمياه دون ما يكفي من التركيز على كبح جانب الطلب.

سيكون لاستنزاف المياه الجوفية نطاق واسع متنوع من التبعات حول طريقة عمل حكومات الشرق الأوسط وإدارتها لعلاقاتها مع الشعوب التي تحكمها. ستكون الهجرة إحدى المشاكل الرئيسية، عندما يجد السكان المعتمدون على الزراعة أنفسهم غير قادرين على كسب الرزق في بيئة ريفية. سيشكل النفور السياسي تحديا آخر. كجانب من جوانب الرعاية الزراعية، تستخدم المياه في الكثير من الأحيان نقطة للتفاخر بين مجموعات معينة من السكان أو النخبة، الذين يرون فيها علامة على تمتعهم بالحظوة لدى الحكومة. وقد يؤدي نضوب المياه الجوفية إلى زعزعة هذه الرؤية- والاستقرار الذي

يستند منع الأزمة جزئيا إلى الاستمرار في ضمان إمدادات كافية من المياه. ويشكل الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة لإنتاج ومعالجة وإعادة استخدام المياه مسارا مجديا لبعض الدول، خاصة الثرية منها. ومن جانب الطلب، يتوجب على الدول فرض أنظمة تسعير شاملة للمياه وتقديم الحوافز لاستخدام الماء بحس من المسؤولية. وفي كافة الدول، ستكون هنالك أهمية حاسمة لتغيير مفاهيم الناس العاديين المتعلقة بالماء واستخداماته اللائقة. إن ظهر وكأن المياه مصدر مجاني، فسيستمر التعامل معه على أنه مصدر لا ينضب.

ستصبح الإصلاحات الفعالة في متناول يد الحكومات إن هي عملت بقدر المستطاع ضمن الهياكل السياسية والاقتصادية القائمة- تأطير صون المياه بمصطلحات يمكن للمواطنين فهمها ومكافأة صونها بأنواع الحوافز التي اعتادوها.

لكن من الضرورة بمكان تطبيق الإصلاحات على وجه السرعة. لعب مزيج من التحرك واللاتحرك الحكومي دورا في تشكيل مشاكل المياه في الشرق الأوسط، ولا يمكن سوى للتحرك الحكومي أن يمنعها من التسبب بجيشان مفاجئ.

 

Image
Jon B. Alterman
Senior Vice President, Zbigniew Brzezinski Chair in Global Security and Geostrategy, and Director, Middle East Program

Michael Dziuban